خطورة العزوف عن طلب العلم والانشغال بأحداث الواقع فقط
قد ترى في عاصرنا الحاضر الكثير من الذين
انشغلوا بمتابعة أحداث العصر ودراسة أحوال الواقع، واستخدموا ذلك كحجة يعزفون بها
عن العلم وطلبه،
وهذا الباب تختلف فيه أحوال الأشخاص بين وسط
وتفريط وإفراط، وقد وقع في الخطأ الأخيران.
لكن، اعلم رحمك الله، طلب العلم محفز كبير لك
يحثك على أن تتابع وتعرف أحداث واقعك وعلى حلها، ولن تكون قادرا على معالجة أي
نازلة أو حادثة تحل في واقعك إلا بعد أن تعرض هذه النازلة على ميزان الشرع.
ولكن وأسفاه على ما تراه، فأنت ترى من عزف عن
طلب العلم وحفظه ومدارسته، وشغل وقته وحاله بمتابعة وقراءة أحداث الواقع في الصحف
والوسائل الاجتماعية، وتراه قد ألقى بكل وقته وجهده في قراءتها ومتابعتها، ليعمل
على حل ومعالجة تلك النوازل ولكن للأسف فهو يتعامل ويحاول أن يعالج تلك القضايا وفق
منظوره وعلمه القاصر دون الرجوع إلي أهل العلم الربانين والثقات، وحاسرتاه عليه،
فهذا هو الخاسر الحق، والذي لن يعرف قدر خسارته إلا بعد أن لا يجد حصدا لما زرعه.
إذ أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا**** ندمت على
التفريط في زمن البذر
من أحوال الشباب المنكرة
ومما قد نراه من الأمور المستنكرة والمنتقدة،
هو أن تراه شابا من المسلمين، وترى منه غيرته على حرمات الله، وترى منه دموعا تذرف
ودم يجري على ما يحدث من انتهاك لحرمات الله، لكن ما هو عيب في حقه هو تهاونه في
بعض المعاصي، كالغيبة والنميمة وغيرها من المعاصي،
وأن ترى هذا الشاب المسلم الذي
يغار على ما يحدث من انتهاكات لحرمات الله تراه جاهلا بأبسط الأحكام الشرعية أو
أيسرها، فلا تراه يصلي كما كان النبي يصلي، ولا ترى وضوءه موافقا لوضوء النبي صلى
الله عليه وسلم فتراه ما سار على قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما
رأيتموني أصلي) وتراه قصر في تطبيق قوله صلى الله عليه وسلم ( من توضأ كما أمر،
غفر له ما تقدم من ذنبه)
بل وليس هذا وحسب، بل تراه أيضا مقصرا في
أذكار الصباح والمساء جاهلا بها، مفرطا ومقصرا في أمور يحفظها الصغار من الطلبة
قبل الكبار، ومما عرفناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية، أنه رحمه الله كان من أعرف
الناس بما يدور في واقعه وما يدور حوله من الدوائر،
وما أكثرها تلك الفتن والحوادث
والنوازل التي وقعت في عهده، لكنه كان طالبا للعلم ولقد حصل جما غفير من العلم،
فما علمه وتعلمه قد كان معينا منيرا لطريقه لحل ومعالجة تلك الحوادث والنوازل التي
حلت في مجتمعه وليصل لكل الحلول التي يحتاجها ويدرك الجواب المراد من الكتاب
والسنة أو في أصول وقواعد العلم، ومهما دار واختلف الزمان والناس وتباعدت الأقطار
فما أنزل الله من داء إلا وكان لهذا الداء دواء، وما نزلت مصيبة أو حلت نازلة إلا
وكان لها ما يصلحها من الكتاب والسنة، ولا يختلف على هذا اثنان.
خطورة التفريط في حلقات العلم
من الأقوال التي جاءت لنا من السلف قولهم (العلم
يؤتى ولا يأتي) ولا أبالغ في أن أقول: أن في هذه الأيام العلم يأتي ولا يؤتى، إلا
من القليل، فما نراه من حلقات علم تعقد، ومن دورات ودروس ترتب وتنظم وتقام، إن لم
نستغل كل هذه الطرق فلا ريب أن الندم رفيقنا وسوف نعض على أصابعنا من الندم فيما
لا ينفع الندم، فما نحصله من هذه الحلقات إن اقتصر على السكينة التي تتنزل على
الحاضرين، وعلى الرحمة التي تغشى هؤلاء الساعين، والتفاف الملائكة تحفهم من حولهم،
بل وتفكر وتذكر بأن الله فوق سبع سموات يذكرهم في ملأ عنده،
لو اقتصر ما يعود من هذه المجالس على
المذكور، لما سعينا لبعد هذه المكافئات من مكافأة، ولكان كافيا على السعي للحضور أن
تحصي كل ما هو مذكور من أجور لا يرجى بعدها أجور، فماذا لو علمت بأن الساعين على
الحضور سيحظون بأمر الله بتعليم العلوم في الدنيا، والحصول على الأجر والجزاء
العظيم في الأخرة.
لا تلهيك الأعذار
قد يتكاسل الإنسان عن حضور مثل هذه الحلقات
أو عن طلب العلم عموما ولا يسعى لتحصيل هذه الأجور، وفي ذلك يتعذر بكثرة الأشغال
التي عليها القيام بها، وليس هذا العذر إلا حاجزا منيعا سول الشطان ووسوس به في
صدور العباد، ليلقي المفرط الذي غلبه تفريطه عن حضور الحلقات وطلبه للعلم ما على
عاتقه من شعور بالتأنيب بسبب تقصيره، ليستخدم هذه الاشغال كحجة في ترك طلب العلم،
فتكون هذه الأشغال هي السبب الرئيسي في قطع طرق طريق طلب العلم وفي التوقف عن حضور
طالب العلم إلي حلقات العلم،
ولكن هناك الصادقون والذين أخلصوا لله وصلحت
نيتهم يفتح الله على بصيرتهم فيرتبوا أوقاتهم وينظمونها ويستغلون أوقاتهم أفضل
استغلال ليكافئهم الله بتحصيل الكثير والكثير من العلوم التي تنفعهم بأمر الله في
الدنيا وفي الآخرة.
ولو تذوقت هذا التنظيم والترتيب لعلمت عظمه
وقدره، ولعشت ولوعيت حال القائلين،
ومن لم يجرب ليس يعرف قدره *** فجرب تجد
تصديق ما ذكرناه
تعليقات
إرسال تعليق