
التوبة
بسم الله الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أمّا بعد،
أريد أن أتوب ولكن، ومن هنا تبدأ السطر ولا تنهيه، فلكل منا عواقب
وحجج تسوف بها التوبة ويعاد بها إلى الذنب مرار وتكرارا، فهي لنحاول أن نبحث عن حل
لكسر لكن مع هذا الكلمات البسيطة إن شاء الله، لنتحول عن أريد أن أتوب ولكن، إلي أريد أن أتوب ويا سعدي بتوبتي.
أنواع التوبة
التوبة ثلاثة أنواع بين كل نوعٍ والآخر كما بين السماء والأرض،
- النوع الأول هو "توبة العامة"
- النوع الثاني هو" توبةٌ الخاصة "
- النوع الثالث وهو أعلاها" توبة
خاصة الخاصة"
قال الله تعالى:" هم درجاتٌ عند الله والله بصيرٌ بما يعملون"
فهيّا بنا نتحدث
عن كل نوع ونفرّق بينهم،
أولاً: التوبة العامة
تكون توبة عن
الذنوب والمعاصي مثل التوبة عن الغيبة، أو الزنا، أو الربا، أو السب أو النظر للمحرمات
فهذه توبة عامة الناس وهؤلاء تُبَدّل سيئاتهم التي تابوا منها إلى
حسنات
ثانياً: التوبة الخاصة
وهي بخواص عباد
الله عز وجل،
فهذه التوبة
ليست واجبة بل هي توبة مستحبة، وهي أن يتوب العبد من ترك المستحبات
بمعنى أن يتوب من تركه لقيام الليل يتوب من عدم قوله لأذكار الصباح
والمساء
مثلاً: في يوم
من الأيام تكاسل عن صلاة الضحى فيتوب من تكاسله ذلك اليوم
هذه توبة الخواص، طيب لماذا يتوب؟ هل هو قد فعل معصية؟
لا لا؛ هذه التوبة ليس سببها أنه قد فعل معصية،
سببها أنه قد قصر في طاعةٍ مستحبة، لقد أحس بالندم لأنه ترك شيئاً
يحبه الله تعالى، فتاب من هذا الترك
وإلاّ فهي غير
واجبة على العبد كما ذكرنا بل إنها توبة مستحبة، إن فعلها أخذ أجراً وإن لم يفعلها
فلا شيء عليه، لهذا
فهي توبة خواص المؤمنين ومع ذلك توجد توبةٌ أعلى،
ثالثا: توبة خاصة الخاصة
فهي أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها العبد في التوبة،
وهي أن يتوب
العبد من فعل المباحات فتصبح أعماله كلها حسنات ولا مكان للمباح،
قد يقول قائل: المُبَاحات ليست محرمة أصلاً فلماذا أتوب منها؟
بمعنى هل هذا
يعني أن أبقى طوال اليوم بالمسجد لا أخرج؟!
الجواب:
من قال إن التوبة تكون فقط للمُحرّمات!!
يمكنك أن تتوب
توبة ليست في المُحرّمات فقط، ولكن توبة تُحَوِّل المُبَاحات إلى ثواب وحسنات،
يعني أنك تفعل نفس المباحات التي كنت تفعلها في السابق لا يتغير عليك شيء ولكن
تُحَوِّل هذه المُبَاحات إلى مُستحبَّات، والذي يفعل ذلك لا شك بأنه أعلى مقاماً
عند الله تعالى قال الله عز وجل:" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "
- كيف أُحَوِّل المُبَاحات إلى مُستحبَات؟ الجواب:
طريقة تحول مباحات إلى مُستحبات استخدام النية الذكية، فكيف ذلك؟
إذا أردت أن تفعل مُباحاً فانوي أنك تريد فعله لتتقوى به على طاعة
الله تعالى،
مثلاً: أن تأكل
بنية التقوى على الصلاة لأنك لو لم تأكل فلن تستطيع الخشوع في الصلاة فهذا واقع،
أنت ستنام
ستنام، فلماذا تنام هكذا سبع ساعات بلا ثواب؟!
ولكن أنوي بنومك التَقوّي على الأذكار لأنك إن لم تنم، فمن المستحيل
أن تركز لا في الأذكار ولا في العمل ولا في أي شيء ولهذا النية يسمونها تجارة
الأبرار لأنها في الحقيقة تجارة الأذكياء،
- ماهي تجارة الأبرار؟
النية في أنهم
يجعلون الأشياء التي ليس فيها حسنات، بها حسنات
إنهم يُحَولون تراب إلى ذهب بالنية،
قال بعض أهل العلم: "المؤمن وقت الراحة بالنسبة له طاعة، ووقت
الطاعة بالنسبة له راحة"
العجيب أن هذه النية سهلة لا تُتعِبُ أحداً فهل رأيت أحداً يتعب إذا
نوى؟
يعني هل دخل
البيت أحدٌ من أهلك، وقال لك: الصراحة أنا اليوم تعبت لأني نويت نويت، نويت، ولم
أعُد استحمل هل يحدث هذا؟
لا النية بسيطة حتى ولو أكثرنا منها فلن نصاب لا بشد عضلي ولا بتمزق
بالأربطة ولا شيء، النية سهلة
ولكن أتدرون ما هو الغريب؟!
الغريب أنها مع سهولتها فإن القليل من يتذكرها، فما هو الحل؟
الحل هو التوفيق، التوفيق من الله عز وجل اطلب من الله تعالى أن يوفقك
لها قل: اللهم اهدني فيمن هديت اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، إذا رآك
الله تعالى صادقاً في الرغبة إليه، أخذ بيدك إليه، وشرح صدرك لتذكُر أحسن العبادة،
بل ستراه يُلقي النية الصالحة في قلبك إذا عَلِمَ أنك فعلاً تريدها من كل قلبك.
قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا "
فقد يقول قائل
لماذا هذا التشدد
حتى المُباحات تريدوننا أن نحولها إلى مستحبات؟!
فنقول له ومن ألزمك!
لا تحول المُبَاحات إلى حسنات، هذا أمر مستحب، شيء اختياري لمن أراد
ذلك
فإن شئت أن تفعله فهذا قرارك، ولكن إن لم ترغب بفعله، فلا تمنع غيرك
من أن يحصل على المستحب لماذا تنكر شيئاً يُزيد من حسنات الناس دعهم يجتهدون
فالناس يتفاوتون في العمل،
قال تعالى: هم درجاتٌ عند الله والله بصيرٌ بما يعملون"
- ما هي النوايا التي تُحوِّل بها المباحات إلى مُستحبات؟
الأمر بسيط
فإليك بعض الأمثلة:
إذا أردتَ أن تذهب للعمل، لا تنوي الذهاب للوظيفة فقط لكيلا يخصموا
من راتبك لا لا، انوي أن تَعُفَّ أهلك وأولادك عن الحرام وأن تُعَمِّر بلدك، وأن
تخدم مسلمين وأن تقضي مصالحهم، معاملاتهم عندها سيكون ذهابك للعمل في كل يوم أكثر
ثواباً وأجراً وليس فقط مُباحاً،
وفي دراستك انوي أن تُفرِح والديك وأن تنفع المسلمين بعلومك، وسيصبح
ذهابك للدراسة كل يوم أجر في أجر،
إذا أردتَ أن تلعب الكرة لا تنوي فقط الترويح عن النفس والرغبة
بالفوز، بل انوي أيضا أن تُدخِل السرور على إخوانك المسلمين الذين يلعبون معك، وأن
تُقوي جسدك بالرياضة،
فهناك أشياء كثيرة لكن هذه فقط أمثلة،
فبعض الناس يقول أنا أحس أني لا أُحول المباحات إلى مُستحبات بالنية
لأني أصلاً سأفعل مباح، سأفعله فلا أُحس أني أفعله لله، فكأني أقول النية هكذا بلا
طعم فهل لي فيها أجر؟
الجواب: في الحقيقة يوجد ضابط هو الذي يبين لك هل فعلت هذا المباح
لله، أم لا
الضابط هو: أن يوافق فعلك نيتك
بحيث تكون
صادقاً في هذه النية،
كيف؟
سنضرب مثالاً:
لو فرضنا أن
شخصاً أراد أن يحول الأكل الذي هو مباح إلى مستحب النية
فنوى بالطعام التقوّي على الصلاة، لكنه لمّا أكل، أكل حتى انتفخ بحيث
أصبح ثقيلا في الحركة،
هذا في الحقيقة
غير صادق في نيته
هو لن يؤجر عليها، لأنه قال أريد أن استعين بالطعام على الطاعة،
وفعله ليس فعل من يستعين بالطعام على الطاعة بل أصبح الطعام مُثقِلاً عن الطاعة
بسبب كثرته، وأمّا إذا أكل بقدر مناسب فهذا هو الذي تتحول مباحاته إلى حسنات،
ولو أراد شخصٌ أن يحول المباح في الوظيفة إلى أجر فنوى بذهابه للعمل
أن يُساعد المسلمين فإذا كان فعلاً يساعدهم فهو صادق، وأمّا إذا كان يقول
للمراجعين تعالوا في الغد ويؤخرهم بلا سبب فإنه غير صادقة نيته، فلا يؤجر،
وهذا الذي نوى
بالنوم التقوّي على الطاعة ولو كان صادقاً فعلاً لما نام الساعة الثانية ليلاً،
لأنه لم يستيقظ أصلاً لصلاة الفجر فالمسألة ليست فقط نية بل يجب أن نكون صادقين في
هذه النية،
بحيث لا تخالف النية الفعل
- أنواع الناس جميعاً أمام الله تعالى:
ينقسمون إلى ثلاثة أقسام
أصحاب الشمال،
وأصحاب اليمين والسابقون السابقون أولئك المقربون
فما هو الفرق بينهم؟
أصحاب الشمال:
هم الذين فعلوا محرّمات كالربا، أو الزنا أو الكذب، أو أنهم تركوا
واجبات كالصلاة أو الحج، أو بر الوالدين، ثم ماتوا وهم لم يتوبوا من ذلك، هؤلاء
أصحاب الشمال
أمّا أصحاب
اليمين:
فهم الذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرّمات، لكنهم يعني لم يجتهدوا
بالمستحبات
أمّا السابقون:
فهم الذين تابوا من المحرمات وتركوا مكروهات، وعندما فعلوا الواجبات
زادوا عليها فعل المستحبات كالسنن الرواتب وقيام الليل، والاذكار، والنوايا
المستحبة التي ذكرناها، فصاروا من السابقين لأن الجنة ليست على درجة واحدة ،
فاللهم اجعلنا
من السابقين إليك واعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
تعليقات
إرسال تعليق