
قيام الليل وفضائله
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه
ومن والاه. أمّا بعد، كما أن كل حبيبٍ يتجمّل للقاء حبيبه فإن الله سبحانه وتعالى
يُجمِّل أحبابه أهل ّقيام الليل إذا وقفوا بين يديه،
أهل قيام اللّيل هم أحسن الناس وجوه
قال تعالى:
"سيماهم في وجوههم من أثر السجود"، يقول بعض المفسرين الصلاة تحسن
الوجوه،
قيام اللّيل
عبارة عن جمال تُجمِّل به نفسك، يقول ابن القيم في كتابه روضة المُحبين:"
العبد إذا رُزِقَ حظاً من صلاة الليل فإنها تُنوّر الوجه وتُحسّنه "
حتى إن بعض
النساء كانت تُكثِر من صلاة الليل فَسُئِلَتْ عن ذلك قالت: إنها تُحسِّن الوجه،
وأنا أحب أن يُحَسَّنْ وجهي،
طبعاً نحن لا نقوم الليل فقط لكي نُجَمِّل وجوهنا، ولكن في الحقيقة
هذا هو ما يحدث الصلاة تُجمِّلْ الوجه لدرجة أنّ الناس يُقْذَفْ في قلوبهم محبة
هذه الوجوه الحسنة، التي لبست ذلك النور.
يقول سعيد
المسيّب: "إن الرجل ليصلي بالليل فيجعل الله في وجهه نورا يحبه عليه كل مسلم،
فيراهُ من لم يره من قبل فيقول: إني لأُحب هذا الرجل"
وكان الناس إذا رأوا محمد بن سيرين سبحوا من
نور وجهه يقولون: سبحان الله سبحان الله وكان صاحب قيام ليل.
لِمَ كان المتهجدون أحسن الناس وجوهاً؟
سُئِلَ حسن البصري عن ذلك فقال:
"لأنهم خلوا بالرحمَن فألبسهم نوراً من
نوره" الله اكبر!!،
وفي تفسير قوله
تعالى:" وجوهٌ يومئذٍ مسفرة" يقول ابن عباس: "مُسفِرة من قيام
الليل مُسفِرة ضاحكةٌ مستبشرة"
كان الناس إذا
رأوا النور الذي يعلو وجه وكيع بن الجرّاح رحمه الله، قالوا:" حاشا لله ما
هذا بشرا، إن هذا إلاّ مَلكٌ كريم"
أمّا أعظم هؤلاء نورا وأكثرهم حُسناً وبهاء فهو
رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم، فإن وجهه كان يتلألأ كأنه من ذهب وإذا
تَبسّمْ استنار وجهه كأن الشمس تجري في وجهه، صلوات ربي وسلامه عليه، هذه سعادة
الوجه ونور الوجه.
آثار قيام الليل
هل لقيام الليل
سعادة في القلب ونور في القلب؟
لا تأخذ بالكلام، جرِّب أنت بنفسك خذ ما رأيته ودع شيئاً سمعت به في
طلعة البدر ما يغنيك عن زحل، والله أنت إذا خلوت بالرحمن ليلاً فقمت بين يديه تصلي
سقاك الله تعالى سعادة عجيبة لا يذوقها غيرك، لكن لا تتوقع أن تذوق هذا كله من أول
ليلة ولا من ثاني ليلة،
لا بد من الصبر
أولاً ثم بعد ذلك تأتي اللذة،
كما إنه لا مانع
من أن يتفضل الله عليك من أول ليلة،
لكن الأصل أنك لابد أن تصبر،
كان ثابت اللبناني
يقول: كابدتُ نفسي على قيام الليل عشرين سنة ثم تلذذتُ به عشرين سنة" فإذا
مرّت مرحلة الصبر وصلت إلى تلك الراحة.
فابشر بكل خير، يقول أحدهم: بعد أن ذاق طعم قيام الليل والله لو يعلم
الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لطلبوه منّا ولو بالسيوف "
ويقول سفيان
الثوري: "إني لأفرح بالليل إذا جاء" وكان أبو سليمان يقول: أهل الليل في
ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في هذه الدنيا "
جزاء القائم واللاهي
هل ترى أن الله
يساوي بين هؤلاء الذين يقومون الليل وبين الذين يسهرون على سماع المحرمات ومشاهدة
المنكرات وشرب المسكرات؟؟
مستحيل، ألا تلاحظون أن الإنسان إذا بات على
معصية استيقظ من نومه موحش الصدر يحس بملل واكتئاب، مع انه كان يضحك طوال الليل،
سبحان الله في
العشر الأواخر من رمضان يبكي الناس في القيام وفي الدعاء ومع هذا إذا استيقظوا
يحسون بانشراح في صدورهم
وكيف يضحك الشخص
طوال اليل ثم يتعب نفسياً، والأخر كان يبكي طوال اليل ثم يستيقظ مرتاحاً منشرح
الصدر طوال الليل؟؟
فالإجابة: إنها معجزة الله تعالى، فوالله الذي
لا إله إلا هو لو جمعت لذة أهل لهو في لهوهم وأهل السهرات المحرمة جميعاً فما ساوت
ركعة واحدة من ركعات الخاشعين بالليل،
داوود طاعي رحمه الله كانت جارته تقول عنه: كان داوود يقوم أغلب
الليل وربما أثناء الليل اسمعهُ يقرأ ويجود بشيءٍ من القرآن، تقول جارته: فأُحِس
أن سعادة الدنيا كلها جُمِعَتْ في صدره في تلك اللحظة
الله أكبر،
يضحك الله للقائمين!
بل أعجب من ذلك
أن بعض الذين يقومون الليل يتعامل الله معه بشيء لا تدركه عقول البشر
فانتبهوا معي
لهذا الحديث العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم:" ثلاثةٌ
يحبهما الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم، وذكر منهم والذي له امرأةٌ حسنة وفراشٌ لينٌ
حسن فيقوم من الليل فيقول الله تعالى: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد "
لا إله الا الله
فما الذي تريده بعد أن ضَحِكَ الله إليك
قد يقول قائل: ماذا سيحدث لي ليلة ضحك الله لي؟؟
سبحان الله ألم يمر عليك هذا الحديث الصحيح "إن الله تعالى إذا
ضحك إلى عبده المؤمن فلا حساب عليه"
نسأل الله من خيره وفضله،
سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا رسول الله أوَ يضحك
ربنا؟
قال: نعم،
ماذا قال الرجل؟
قال: لن أُعدمَ خيراً من ربٍ يضحك"
وفي أثناء الليل إذا أتت تلك اللحظة الحاسمة العظيمة فبدأ الثلث
الأخير من الليل بدأ وقت السحر،
حدث في الكون امرٌ عظيم.
ماذا حدث؟
ينزل الله تعالى
ينزل جل شأنه وعظم سلطانه ثم ينادي سبحانه، فمن سينادي؟
لا شك أنه
سينادي أصحابنا الذين نتكلم عنهم أهل الركوع وأهل السجود في جوف الليل
فماذا سيقول
لهم؟
يقول سبحانه: هل من داعٍ فاستجيب له؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من
تائب فأتوب عليه؟ والعباد كلهم لا يردون على ربهم الذي يناديهم، إلاَّ هذا
المُصلّي في وسط الليل يُجيب ربه بلسان حاله عندما يسجُد فيقول: اللهم اغفر لي،
اللهم ارحمني، اللهم أعتقني من النار،
فما أحلى هذا
السؤال الذي يسأله الله في السماء! وما
أحلى هذا الجواب الذي يردده العبد!
وقال صلى الله
عليه وسلم: "إنّ في الليل ساعة لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله فيها خيراً من
أمر الدنيا والأخرة، إلاّ واعطاه إياها وذلك كل ليلة "
ونختم حديثنا عن
فضل قيام الليل
بهذا الحديث
العظيم: الذي ذكره ابن رجب في كتابه في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى، عن أبي
سليمان أنه قال: "إذا جنّ الليل وخلا كل حبيبٍ بحبيبهِ، وافترش أهل المحبة
أقدامهم للصلاة، وجرت دموعهم على خدودهم، أشرف الجليل جلّ جلالهُ فنادى يا جبريل
بعيني من تلذذ بكلامي واستروح إلى مناجاتي، نادي فيهم يا جبريل نادي فيهم، ما هذا
البكاء؟
هل رأيتم حبيباً
يُعَذِّب أحباءه، أم كيف يجمُل بي أن أُعذّب قوماً إذا جنّهم الليل تملقوني، يقول
تعالى: فبي حلفت إذا قَدِموا عليَّ يوم القيامة، لأكشِفَنَّ لهم عن وجهي، ينظرون
إليّ وأنظُر إليهم "
فهنيئاً لكم يا
أهل قيام الليل، تتذوقون أحلى ما في الليل، وهو الوقوف بين يدي الرحمَن الرحيم
العظيم الحليم.
تعليقات
إرسال تعليق