
كيف
تتلذذ بالدعاء؟!
بسم الله الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه،
أمّا بعد،
من ألَذّ
العبادات التي يمكن أن تمر عليك في حياتك هي عبادة الدعاء،
فيها تتذوق طعم
رائع يأتي على مراحل بعضُها أعمق من بعض،
وكلما عرف
الانسان أسراراً أكثر من أسرار الدعاء كانت لَذته أعظم، لكن لماذا كثيرٌ منّا يدعو
ولا يشعر بهذه اللذة الرائعة أثناء الدعاء أو يشعر بالقليل منها فقط؟ لماذا؟
الجواب:
لأننا لا نعرف
ما الذي يحدُث أثناء الدعاء وحتى بعض الذين يعرفون لا يستحضرون، هل تعلم ماذا يحدث
عندما ترفع يديك بالدعاء؟
ألا تعلم بأن الله يستحي منك!!!!
بمجرد أن ترفع
يديك فإن هناك من يستحي منك، من الذي يستحي مني الجنة، الملائكة...؟
لا لا الذي
يستحي منك هو الله تعالى نعم بجلاله وعظمته وهيبته يستحي منك الله، يستحي مني أنا!!
نعم لستُ أنا
الذي يقول ذلك بل هو رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الحديث العظيم
عندما قال: "إنّ الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما
صِفراً خائبتين"
ما هو شعورك
عندما تتذكر أثناء الدعاء أن الله يستحي منك؟!
قال يحيى بن
معاذ:" سبحان مَنْ يُذنِبْ عَبْدهُ ويستحي!!
هو الله سبحانه،
من أنا يا إلهي لكي تستحي مني وأنت تملك السماوات والأرض، أنا مخلوق صغير من بين
ملايين وملايين المخلوقات والناس الذين يعيشون في هذه البلاد التي تقع في طرف كوكب
من مليارات الكواكب في هذا الكون، فلماذا؟ لماذا تستحي مني أنا بالذات؟
لأنه هو الكريم
سبحانه الودود الذي جعل عبادَهُ يحبونه حباً شديداً لحسن تعامله معهم، ومن هذا
التعامل الحسن أنه يستحي منهم، فالحياء صفة ثابتة من صفاته سبحانه، لا نعلم
كيفيتها إلاّ أن حياءه لا يُشَابِهُ
حياء المخلوق بأي وجهٍ من أوجه الشبه أو
المثل، لأنه سبحانه "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وإذا استحى الله
تعالى من إنسان وصل إلى هذا الإنسان الجود، والكرم، والبر، فإذا خطر ببالك أن تدعو
في لحظة من لحظات فتذكر أن الذي تكلمه
الآن مُستَحٍ منك، عندها لا إرادياً ستستحي أنت منه، فإذا استحيت أنت من الله فان
الله بالمقابل سيستحي منك أيضاً، نعم!
نقل ابن القيم
أثراً في أحد كتبه فيه" أنه من استحى من الله استحى الله منه" الآن
أرجوك لاحظ معي هذا التعامل العجيب مع الله أنظر كيف أن العبد يرفع يديه ليسأل ربه
فيستحي الله منه!! فلمّا كان العبد يعلم أنّ الله تعالى يستحي منه الآن استحى هو
أيضاً من ربه، فلما استحى العبد من الله استحى الله منه مرةً أخرى، يا الله ما
أجمل هذا المشهد الرائع بين العبد وربه! يذوب القلب محبةً وجمالاً ولا يمكن أن
يحدث هذا إلاّ بينك أنت وبين إلهك، وهذا أقل شيء يمكن أن تفعله أن تستحي من الله
كما استحى منك، وليس بكثيرٍ عن الله عز وجل أن نستحي منه سبحانه، وقد كان النبي
صلى الله عليه وعلى اله وسلم يوصي الرجل ويقول له:" اوصيك أن تستحي من الله
كما تستحي من الرجل الصالح من قومك"
وإذا كنا نستحي
من المخلوق فكيف نستحي من الخالق! فإذا رآك الله تعالى بهذا الحال فانه لا بد أن
يضع لك شيئاً في يديك، لا لن ترجع خائباً إمّا أن يُعطِيَكَ الذي تريده، أو أن
يُعْطِيَكَ أفضل من الشيء الذي كنت تريده بمراحل،
لأنه يعلم ما لا
تعلم ويرحمك أكثر مما تريد أنت أن ترحم نفسك،
وقف الفُضَيلْ
بن عياط في يوم عرفة هذا اليوم العظيم الذي يُعتبر أعظم يوم في السنة كلها والناس
يدعون يدعون، وهو يبكي، يبكي بكاءً شديداً ولم يستطع الدعاء من شدة البكاء فلما
كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال:
"واحياءه منك وإن غفرتَ وسواءتاه منك
وإن عفوت"
يقول: وإن عفوت
عني فأنا مستحي منك وإن غفرت لي فأنا أشعر أيضاً بالحياء منك
الله أكبر هكذا
يتنازلون بالعبادات أنه لا يمكن أن تشعر بحلاوة العبادة وأنت جان لا تستحضر شيئاً
ولا تفكر إلاّ في
الطلب الذي تريده لابد أن تضع في قلبك شعوراً معينا، لكي تحس بحلاوة الدعاء، والله
إنّ من الخسارة أن يمر الدعاء طوال هذه السنوات بلا مشاعر، جرِّب الحياء من الله
تعالى أثناء الدعاء، استحضره فوالله إنه ينقلك إلى عالم آخر أثناء الدعاء، فإن هذا
الإله العظيم الرحيم الودود الحليم الذي يستحي منّا يستحق فعلاً أن نستحي منه، بل
لا يوجد من هو أحقُّ منه بالحياء سبحانه، ما أحلى مناجاته!، ما أجمل الحديث إليه
والشكوى بين يديه! اللهم علمّنا حُسن عبادتك، اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن
عبادتك.
تعليقات
إرسال تعليق