
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
قُتِلَ عجوز
كبير وأُسر شاب قوي لأنه قال الحقيقة وأطفال حُرموا من أمهاتهم، والمدارس التي كانوا
يذهبون إليها أصبحت على أنقاضها والمشفى الذي كان يذهب إليه المرضى أصبح كومة حجار
لا قيمة لها كل ذلك ما كان سببه إلا انعدام الرحمة، هؤلاء لم تسكن قلوبهم الرحمة
ولم يعرفوها.
في كل لحظة
عندما تقرر أن تقرأ من كتاب الله تجد نفسك بادئاً القراءة بعبارة" بسم الله
الرحمن الرحيم "هكذا نتعلم من أول ما ذكر في أسماء الله الحسنى الرحمن الرحيم
، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ، وهو
على المنبر : " ارحموا ترحموا ، واغفروا يغفر لكم ،الرحمة نكن رحماء بيننا وعلى كل ما حولنا حتي
الحيوان فإن رجلا دخل الجنة بفضل أنه رأي كلباً يلهثُ عطشاً في صحراء فسقاه وأي
سُقيَ هذه إنما ما كانت إلا رحمة وشفقة فمن الله عليه بالجنة وذلك جزاء من كان
رحيما، اللهم أجعلنا منهم .
رحمة الله بالعباد
وجاء في القرءان
الكريم
وَاكْتُبْ لَنَا
فِي هذه الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ
عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ
فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم
بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف
"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" ﴿١٠٧
الأنبياء﴾
من رحمة الله
عزوجل لنا بعث إلينا محمدا صل الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
وإذا أردت أن
تعرف الرحمة ومعانيها فما هناك من بشر يملك قلبا رحيما كقلب النبي المصطفي عليه
الصلاة والسلام.
مواقف من رحمة المصطفي صلى الله عليه وسلم.
ألا تتذكر يا
رفيقي هذا الحديث الذي ورد فيه بأن الرسول صل الله عليه وسلم قد خفف من صلاته لأنه
سمع بكاء طفل، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنِّي
لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ
الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى
أُمِّهِ"(1).
إن في حياة
الرسول من مواقف الرحمة ما إن سردناه سردا يحتاج إلى مجلدات لكي نوفيها جزء من حقها،
أحببت أن أذكرك يا رفيقي برحمة النبي صل الله عليه وسلم بزوجته عائشة رضى الله
عنها "اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ رضي الله عنها -ابنته- عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ
تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى
رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
يَحْجِزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: "كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ
الرَّجُلِ؟" قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ
لَهُمَا: "أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي
حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا
“
هذا هو قدوتنا
ليس من نراهم العالم المتقدم الذي يقتل أطفالنا ويجعلنا نترك ديارنا هذا النبي
العدنان من يستحق أن نقتدي به لا غيره. ومن روائع رحمة الرسول بغلام صغير كان
يُضرب يروي أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه فيقول: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي،
فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ
عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ". فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ.
فَقَالَ: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ
النَّارُ"
كيف أستطيع أن أكون رحيما؟
هل يوم من
الأيام وجدت نفسك قويا على أحد وجدت نفسك تدير الموقف وفق إرادتك حينها ألم تعلم
بأن الله قادرا عليك وهنا تكمن الإجابة على سؤالنا وهو أن أعلق قلبي بالله، وأي شيء
كذكر الله أكثر من ذكر الله ألم تعلم يا رفيقي أن قراءة القرءان تُلين القلب
وتُذهِب قسوته وعناده وغلظته.
أم تريد أن تكون
ممن قال الله عزوجل فيهم
ثُمَّ قَسَتْ
قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ
وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ
مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا
يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
البقرة
ما هي فطرتنا الحقيقية؟
نحن بفطرتنا
قلوبنا رحيمة وإنما الحياة وما نتعرض له في حياتنا قد يجعل قلوبنا تقسو أحياناً
ولكن يجب أن نميز بين القوة التي يجب أن نكتسبها وبين القسوة التي تجعل الله غير
راضٍ عنا، أن نكون أقوياء لا علاقة به أن نكون أشخاص قاسين،
عمر بن الخطاب
رضى الله عنه كان قويا رمزا لقوة الدولة الإسلامية وقد قال عنه الرسول صل الله
عليه وسلم اللهم أعز الإسلام بأحد العُمرين وقد كان يقصد إما عمر بن الخطاب او عمه
ابو جهل، وقد استجاب الله دعائه وأعز الله الإسلام والمسلمين بك يا عمر رضى الله
عنك تلك القوة التي تتقد في داخله لم تكن منفصلة عن الرحمة؛ بل كانت الرحمة والقوة
مزيجا قويا في داخله،
ومن الدليل على
ذلك قصته المشهورة عندما كان ماشيا يتفقد أحوال الرعية فإذا به يرى قوم قد أشعلوا
النار فتجه نحوهم قائلا السلام عليكم يا أصحاب الضوء "ولم يقل يا أصحاب النار،
فقالت: وعليك السلام، فقال: أَدْنُو؟ فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ. قال: فدنا، وقال:
ما لكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت:
الجوع. قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء، أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا
وبين عمر. أتعرف عندما سمعها عمر الفاروق رضى الله عنه بأنه صُعق من شدة ما قالت حتى
أنه عاد الي دار الدقيق وأحضر الدقيق والشحم وحمله على ظهره مسرعا عائدا الي تلك
المرأة وأطفالها وجلس يُعد الطعام لهم بنفسه وأطعمهم حتى شبعوا ومن بعد ذلك ناموا،
حتى قالت المرأة والله أنك أحق بالخلافة من عمر، ويحك يا أمرأه لم تكن تعلم بأن
هذا عمر.
قلب رحيم هو قلب رقيق
الرحمة في القلب
مثلها مثل قطرات الندى على زهر طاب جماله وسريرته بها تسمو الأرواح وبها نختلف
ونتميز عن سائر ما خلق الله، فيها أن تكون أباً حنونا لا يزجر أبنه أو أن يهين
أبنته التي مهما كبرت ستظل ترى نفسها طفلة أبيها الرحمة أن ترأف الأم بأحوال
أبناءها وبناتها أن تخشى عليهم عذاب الله إن لم يقيموا الصلاة والرحمة من قلب الأم
على أطفالها بأن ترعاهم بحق وإني رأيت من الأمهات التي تعاقب أبناءها ثم يأتي
الليل وتراهم نيام فيتألم قلبها وتدمع عيناها تلك الأم الرحومة الحنونة وهذا
الأنين الداخلي ودموع العينين الخافتة ما كانت إلا رحمة تلك الأم التي تجهز الحساء
وتبعث طفلتها لجارتها لأنها تعلم بأن جارتها فقيرة في حاجة لمثل هذا الحساء ويا لفرحة
أطفال الجارة بهذا الحساء ولو كان بسيطا،
الرحمة أن يرى
الشاب أباه الكهل جمال الدنيا فيسأله ماذا يريد أن يتفقد علاجه ومأكله وشرابه وكيف
هو حالة، ألا يذهب ذاك الشاب إلى بيته حتى يطمأن على حال أمه، الرحمة أن تدعو
الفتاه لأبيها وتسأل عن حاله أن تكون شمعة مضيئة لأمها طائعة بارة بها ولها....
المصادر
-
القرءان الكريم
- الحديث الشريف
1-البخاري:
كتاب الجماعة والإمامة (15)، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي (675)، ومسلم: كتاب
الصلاة (4)، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة (470).
2-أبو
داود (4999)، وأحمد (18418)، والنسائي في السنن الكبرى (8495)، وقال شعيب الأرناؤوط:
إسناده صحيح على شرط مسلم.
- موقع إسلام ويب
تعليقات
إرسال تعليق